متابعة / محسن أكرمين
بعد أن تم عرض سينما الأطلس لإشهار البيع بالمزاد العلني بتاريخ 22 أبريل 2021 ، في ملف قضائي صادر عن المحكمة التجارية بمكناس ضد الشركة السينمائية للشمال ولفائدة البنك الشعبي. انبرت بالظهور مجموعة من الأصوات باعتبارها من الوجوه المثقفة والفنية والمدنية والإعلامية … تدافع عن ذاك الإرث العريق بالمدينة (سينما الأطلس) وهذا من ميزة رجالات مكناس بالتفرد، وصناعة الكلام.
اليوم سنناقش ظاهرة الاشتغال على تيمة المشاكل المستجدة بالتنوع في مكناس، بدل الاشتغال على إبداع البدائل والابتكار الخلاق وتفعيل التجديد، بدل الارتكان كليا في الماضي وحمايته بالكلام فقط والشعارات الفضفاضة. سنناقش ظاهرة “ما تقيش مدينتي” والإبقاء على أطلال المدينة مدمرة بحد التباكي والوقوف عند الذكريات والتباهي بالماضي، وذلك باعتبار سينما الأطلس من “إحدى أعرق القاعات السينمائية بالمدينة”. سنناقش بعض أثر سينما الأطلس المتبقي عند ذاكرة جيل من ساكنة مكناس لما يعرف بالبهاء والتفخيم ” الجيل الذهبي” .
قد لا نختلف جميعا أننا استمتعنا بأفلام (هندية) و(صينية/ أفلام أكشن) بسينما الأطلس عند الصغر، وارتقينا بعدها إلى القاعات السينمائية بحمرية. قد لا نختلف أن من ولج سينما الأطلس كان بدءا ومتما وافدا من الأحياء الشعبية، ومن صنف الذكور كليا. قد لا نختلف أن ذكر سينما الأطلس بات مرتبطا بأفلام هندية بعينها (الصداقة)، وباتت بعض المظاهر غير السوية التي كانت تمارس بداخل القاعة من مسكوتات الماضي الدفين، والذي يتغافله المتحدثون اليوم عن “ما تقيش مدينتي” .
أغلقت سينما الأطلس منذ ما يزيد من عقدين من الزمن، أغلقت وكان الجميع يتذكرها إلا حين المرور ب”روامزين”، أو حين الحديث عن الأفلام الهندية القديمة ضمن ثلة أصدقاء الماضي. أغلقت ولم يفكر من ينادي اليوم “ما تقيش مدينتي” الترافع عن إبقاء سينما الأطلس وغيرها مفتوحة ولو بالدعم العمومي. هدمت سينما “ريجان” و”لومبير” والتغيير الداخلي يصيب سينما “المونديال” كذلك، ومر الأمر أمنا وأمانا لأن من فعّل صيغة الهدم كان من لوبي العقار، ورخصت له المجالس الجماعية.
اليوم بات التحول الاجتماعي والتكنولوجي أكبر بكثير من ماضوية المدينة والتفكير في “ما تقيش مدينتي”، بات التثمين يلحق المنشآت العمرانية ويلغي الإنسان ولو بحس التآزر والتضامن بشعار ” ما تقيش كرامة الساكنة”. بات التغيير والتمكين في مستقبل المدينة من بين المستحيلات السبع في ظل بروز من ينكّس كل بادرة مستملحة لتغيير ملمح المدينة نحو الأمام.
سيقول البعض أن ضياع سينما الأطلس سيقوض رمزا من تاريخ السينما بالمدينة، سيقال أن البيع لصالح بنك سيقوض تلك الذاكرة الجماعية “للجيل الذهبي” وكأننا نشتغل على التفاضل والمفاضلة باعتبار الجيل الجديد من ” الجيل المصدي”. لكن قد نترافع من تحت الجلباب مرة بالسب ومرات بالاستعطاف والتباكي عند الأطلال. نترافع دون البحث عن سبل قانونية ترافعية بمصداقية النية والأفعال الكفيلة بتحصين مجموعة من الأملاك ذات البعد التاريخي و (الذاكري) للمدينة، عن سبل البحث في إمكانية شراء عقار سينما الأطلس من طرف جماعة مكناس، عن إمكانية الدفع بقطاع الثقافة والشباب والرياضة والاتصال بشفعها وتوظيفها ثقافيا بدل شعار”ما تقيش مدينتي” ، عن إمكانية مطالبة الأملاك المخزنية بشفعها و التفكير في استغلالها في المجال الثقافي.
نعم”ما تقيش مدينتي” قد نتفق وقد نختلف عليه، لكن إذا ما استمر مكناس في هذا المنحى ستصبح المدينة من سيرة الأطلال البائدة، ويصح التباكي على تاريخها مرات برمزية ومرات عديدة بالحقيقة. ستصبح سينما الأطلس مزارا جديدا لإشعال شموع “ما تقيش مدينتي”. وحتى لا نمارس البلوميك العقيم، لا بد من التفكير بثقافة التمكين بدل ثقافة التراخي، نبحث عن ثقافة تنمي الفرد في القيم والسلوك، ثقافة تبني وتبحث عن الحلول الإشكالية ولا تدفع بكرة المشكلة إلى الأمام “ما تقيش مدينتي”.