جيل Z وحملة النظافة بعد التظاهرات: وطنية إيجابية ومواطنة مسؤولة ، ورسالة واضحة لأعداء الوطن في الداخل والخارج.

عبد اللطيف نبيه5 أكتوبر 2025آخر تحديث :
جيل Z وحملة النظافة بعد التظاهرات: وطنية إيجابية ومواطنة مسؤولة ، ورسالة واضحة لأعداء الوطن في الداخل والخارج.

 

شهدت مدن مغربية في الآونة الأخيرة تظاهرات شبابية عكست حيوية النقاش العمومي وتنوع أساليب التعبير السياسي والاجتماعي . غير أن ما يثير الانتباه هو المبادرة التي أطلقها شباب من جيل Z، الداعية إلى تنظيم حملات نظافة في الساحات والشوارع التي احتضنت تلك التظاهرات. هذه الخطوة، وإن بدت في ظاهرها بسيطة، إلا أنها تحمل أبعادا عميقة تستحق التوقف عندها بالدراسة والتحليل.

 

من زاوية علم الاجتماع، يمكن قراءة هذه المبادرة باعتبارها مؤشرا على صعود جيل جديد من الوعي المدني، حيث يسعى الشباب إلى إعادة صياغة العلاقة بين الفرد والفضاء العام على أساس من المسؤولية المشتركة . فالنظافة هنا ليست مجرد عمل تقني أو خدمة جماعية، بل هي رسالة حضارية تؤكد أن الاحتجاج لا يلغي الانتماء إلى الجماعة، ولا يعفي من احترام المشترك العمومي.

 

أما من الناحية البيئية، فإن المبادرة تندرج ضمن دينامية عالمية متنامية، حيث بات الوعي البيئي أحد المؤشرات الأساسية على نضج المجتمعات. وإقدام شباب جيل Z على تنظيف الشوارع يضعهم ضمن مسار عالمي حيث يتحول الفعل الاحتجاجي أو الرياضي إلى مناسبة لإظهار وإبراز حس الانضباط والالتزام بالفضاء العام.

 

و في بعدها التربوي والثقافي، تمثل هذه الحملة امتدادا لفكرة “التربية على المواطنة” التي تتبناها المناهج التعليمية الحديثة. فهي تقدم نموذجا عمليا للتربية غير النظامية، حيث يختبر الشباب معنى الحرية المقترنة بالمسؤولية، ويترسخ لديهم أن التعبير عن الرأي لا يتعارض مع قيم السلوك المدني الراقي.

 

أما من المنظور السياسي والإعلامي، فإن المبادرة تحمل رمزية قوية، إذ تساهم في إعادة تشكيل صورة جيل Z في الخطاب العام. فبدلا من أن يقدّم هذا الجيل في الإعلام على أنه مجرد “فاعل احتجاجي”، يظهر هنا كقوة مواطنة بنّاءة قادرة على إنتاج مبادرات عملية تساهم في تعزيز الاستقرار وترسيخ الثقة بين المجتمع والدولة. وهي إشارة مهمة لصناع القرار بضرورة إدماج هذه الطاقات الشبابية في مشاريع التنمية، وعدم اختزالها في بعدها الاحتجاجي فقط.

 

و يمكن القول إن المبادرة تفتح نقاشا واسعا حول ثقافة الفضاء العام في المغرب: هل ما زالت الشوارع والساحات تعتبر مجرد فضاءات للتظاهر والتعبير، أم يمكن أن تتحول إلى مساحات للتعاون الجماعي والإبداع المدني؟ بهذا المعنى، يصبح تنظيف الشارع بعد التظاهر بمثابة فعل رمزي يختزل مشروعا مجتمعيا أكبر عناوينه “التظاهر المسؤول”.

 

دون شك أن حملة النظافة التي دعا إليها شباب جيل Z تشكل أكثر من مجرد مبادرة آنية؛ إنها مؤشر على تحول في الثقافة السياسية والاجتماعية بالمغرب، وتجسيد لرغبة جيل جديد في التوفيق بين المطالبة بالحقوق وأداء الواجبات. وإذا ما حظيت هذه المبادرة بالاحتضان والدعم من الفاعلين المدنيين والمؤسسات، فإنها قد تتحول إلى نموذج ملهم لبناء علاقة جديدة بين المواطن وفضائه المشترك، علاقة قوامها الاحترام، المسؤولية، والتضامن.

 

وفي بعدٍ آخر لا يقل أهمية، تشكل هذه المبادرة رسالة مزدوجة موجهة للداخل والخارج على حد سواء. فهي في الداخل تعبير عن وعي جماعي يرفض اختزال التظاهر في صور الفوضى أو التخريب، ويؤكد أن الاحتجاج يمكن أن يكون متحضرا ومسؤولا. و على مستوى الخارج، فهي إشارة قوية إلى خصوم المغرب بأن الحملات الإعلامية المغرضة، مهما اشتدت، لن تنال من أمن المملكة واستقرارها بفضل قوة وتماسك مختلف مكونات الشعب المغربي و انخراطهم خلف عاهل البلاد ، جلالة الملك محمدالسادس حفظه الله لتحقيق الرهانات التنموية وصيانة الوحدة الترابية للمملكة.

أكيد أن مثل هذه المبادرات الشبابية تكشف عن قدرة المجتمع المغربي على إنتاج حلول من ذاته، وعن تماسك لحمته الداخلية، بما يعزز صورة المملكة كدولة قادرة على الموازنة بين الحرية والنظام، وبين التعبير الديمقراطي والحفاظ على الاستقرار .

الاخبار العاجلة
error: تحذير